الأحد، 21 أغسطس 2011

الفكاك الأمريكي من جحيم طالبان


ومع ذلك، كشفت تعليقات مسئولي الإدارة الأمريكية في واشنطن ومسئولي حلف الناتو في بروكسل، أن الولايات المتحدة تعمل جاهدة، بصورة أوسع من تلك التي كشفها المسئولون مسبقا، على تشجيع التوصل مع قادة الحركة إلى اتفاق سلام يضمن انسحاب أمريكي "مُشرف" وآمن من أفغانستان، مما يعكس تنامى شعور الإدارة الأمريكية بالتشاؤم حيال تحقيق المزيد من قوات الاحتلال الأمريكية لمكاسب حاسمة ضد حركة طالبان.

-------------------------

بات حضور "طالبان" قويًا على الساحة الأفغانية بعد مقتل الرجل الأول في تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، وبعد تسريبات الـCIA عن نية الرئيس الأمريكي حزم حقائبه وإنهاء "حماقة" عسكرية زرعها الرئيس بوش ولم يحصد منها أوباما سوى الخسائر، ولم يعد سرًا أن تمكنت الحركة ومنذ سنوات من فرض هيمنتها في العديد من المناطق، كنتيجة لنشاطها المتزايد واتساع رقعة عملياتها ضد قوات الاحتلال بقيادة الولايات المتحدة، والتي أوقعت في صفوفها خسائر غير مسبوقة خلال الأعوام الخمسة الماضية، تعد هي الأعلى منذ حماقة واشنطن العسكرية وانسحابها المخزي من مستنقع فيتنام أواخر القرن الماضي.

ولم يكن الجهاد ضد الولايات المتحدة الأمريكية على أجندة حركة طالبان، ولكن وكما يقول المثل "تأتي الرياح بما لا يشتهي السفن" مثل يوم الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 يوما فاصلا في تاريخ الحركة، عقب انفجارات تحوم حول مدبريها الشكوك شهدتها مدينة نيويورك وواشنطن أدت إلى مقتل ما يزيد عن ستة آلاف شخص، وعلى الفور اتهمت واشنطن تنظيم القاعدة الذي يتزعمه أسامة بن لادن، واعتبرت واشنطن الحركة هدفا أوليا لانتقامها بعد أن رفضت حكومة طالبان الغطرسة الأمريكية وامتنعت عن تسليم بن لادن لعدم تقديم الأدلة التي تثبت تورطه، عندها بدأت الآلة العسكرية الأمريكية وحلفائها بعملية عسكرية واسعة ظاهرها الثأر والانتقام لأرواح الضحايا، وباطنها محاولة السيطرة على منطقة جغرافية غاية في الأهمية العسكرية والاقتصادية.

والسؤال الذى بات أكثر إلحاحاً بعد مرور هذه السنوات من الحرب، ويتردد تداوله على طاولة قادة جيوش الدول التي تحالفت مع الولايات المتحدة هو: "من هم طالبان؟ وما هي العوامل التي ساعدتهم في مواجهة تلك الدول مجتمعة؟ وكيف نشأت قوتهم وكيف تطورت؟ وكيف أمكنهم هزيمة أعظم جيوش على كوكب الأرض وبسط نفوذهم على معظم الأراضي الأفغانية؟ وما طبيعة علاقاتهم بدول الجوار مثل باكستان وإيران وروسيا؟.. هذه الأسئلة وغيرها نحاول إلقاء الضوء عليها في هذا التقرير.

من مقاومة الفساد إلى مواجهة الأمريكان:

تشير العديد من التقارير إلى أن نشأة الحركة الإسلامية لطلبة المدارس الدينية المعروفة اختصاراً باسم طالبان - جمع كلمة طالب في لغة البشتو- في ولاية قندهار الواقعة جنوب غرب أفغانستان على الحدود مع باكستان عام 1994، على يد الملا محمد عمر مجاهد، الذى نفت طالبان أنباء تحدثت عن مقتله منذ أيام قليلة، وقد رغب الملا عمر في القضاء على مظاهر الفساد الأخلاقي وإعادة أجواء الأمن والاستقرار إلى أفغانستان، وساعده على ذلك طلبة المدارس الدينية الذين بايعوه أميرا لهم عام 1994.

ويؤكد زعيم شبكة "حقاني" التابعة لحركة "طالبان" على الهدف الذى من أجله انطلقت "طالبان" وترحيب السكان ببسط هيمنتها على العديد من المناطق، وفيما يعترف بارتكاب بعض الأخطاء الحركية، لكنه قال إن "فوائد طالبان تطغى على الأذى الذي نلحقه بالناس. ففي منطقتنا كان هناك لصوص وقطاع طرق، وكانت الفوضى عارمة. يحتاج الناس إلى من يراقب ويحكم ويعاقب. يحتاجوننا لبسط النظام"، وينتمي معظم أفراد حركة طالبان إلى القومية البشتونية التي يتركز معظم أبنائها في شرق وجنوب البلاد ويمثلون حوالي 38% من تعداد الأفغان البالغ قرابة 27 مليون نسمة.

ويشرح الزعيم الطالباني أن الحركة هي إسلامية سنية صرفة تعتمد مذهب الإمام أبي حنيفة الأكثر انتشارا في العالم الإسلامي، وربما لا يعلم الكثيرون أن الامام أبو حنيفة هو من أعلام الأفغان تعود أصوله إلى العاصمة كابل، والتي كانت آنذاك حاضرة من حواضر العلم، تموج بحلقات الفقه والحديث والقراءات واللغة والعلوم، وتمتلئ مساجدها بشيوخ العلم وأئمته، ولذلك تعتبر الحركة أن الحكم الشرعي في مذهبها حكما واحدا لا يحتمل الأخذ والرد حوله، ومن ثم يصبح تنفيذ الأحكام الشرعية لدى طالبان حتى وإن كانت هناك مذاهب أو آراء أخرى تخالفها واجبا دينيا ولا مفر من تنفيذه.

والخطأ الاستراتيجي الفادح الذى سقط فيه الاتحاد السوفيتي حين اجتاح الأراضي الأفغانية وتجاهلته التقارير المخابراتية الأمريكية هو عدم تقدير ودراسة شخصية المقاتل الأفغاني، حيث يتميز الأخير بعدة صفات نفسية أهمها العناد والصلابة وتحمل المشاق، وهي نفس السمات الشخصية التي انتقلت من المجاهدين الأفغان عموماً إلي المقاتلين في صفوف طالبان في ولاية قندهار التي نشأت حركتهم بها على وجه الخصوص.

وفي هذا الصدد يقول عبد السلام ضعيف، سفير "طالبان" السابق لدى باكستان: "أتى الأمريكيون إلى هنا وجلسوا هنا- في إشارة إلى الكنبة الجالس عليها- قالوا إنهم بحاجة للحديث مع طالبان لكنهم عاجزون عن الوصول إليهم. قلت لهم اذهبوا وابحثوا عنهم، إنهم في كل مكان. لطالبان حكام ظل ووزارات، لم لا تذهبون وتتحدثون إليهم؟".

وتأكيداً على هذا الخطأ الذى انغرست فيه أقدام الأمريكان وحلفاؤهم يقول ضعيف: "قلت للأمريكيين عليكم أن تحترموا عدوكم. لا يمكنكم التفاوض مع "طالبان" من موقع قوة. فلماذا ستقبل طالبان بالجلوس معكم؟ إذا أردتم التحادث، عليكم معاملتهم على أنكم سواسية"، ويتهم ضعيف الذي احتجز في جوانتانامو لعدة سنوات الأمريكيين بالغرور، معلنًا أنهم "لا ينتمون إلى هنا. إنهم غرباء. خارجيون".

طالبان ليست كل أفغانستان:

 بعد أن بسطت الحركة سيطرتها على عدد من الولايات ولقيت قبولا مبدئيا لدى قطاعات عريضة من الشعب الأفغاني الذي أنهكته الحرب الأهلية، طورت الحركة من أهدافها ليصبح هدفها هو إقامة حكومة إسلامية كما صرح بذلك الملا محمد عمر في كلمته التي ألقاها أمام العلماء في قندهار يوم 4/4/1996.

لكن من الخطأ اعتبار أن كل فرد أفغاني يحمل هوية طالبان وإن كانت الحركة تحظى باحترام الكثير، يشير إلى ذلك القائد في "طالبان" مولانا حليمي الذي تسيطر قواته على مدينة غزني شرقي أفغانستان فيقول "من الخطأ اعتبار كل المقاتلين طالبانيين. فالطالبانيون هم تلاميذ مدرسة وأنا ملا. غالبية المقاتلين تحت أمرتي هم من الفلاحين والمزارعين والتلاميذ الذين ينحدرون من مدارس حكومية"، ويشدد على أنهم "يقصدون باكستان في الشتاء لتلقي تدريبات دينية، لكنهم ليسوا طالبانيين".

ويشرح الوضع الذى آلت إليه الأمور ميدانيا بعد التأييد والدعم الكبير الذي اكتسبته الحركة خلال مواجهتها الاحتلال الأمريكي بالقول: "لقد اختلف الوضع. كنت أخشى الحكومة أينما أذهب. الآن نتنقل أينما كان، حاملين السلاح. لقد كنا قبل سنتين لا نريد سوى الدفاع عن مناطقنا. أما الآن، فنسيطر عليها ونذهب الى الطريق الرئيسي لشن الهجمات".

وفي خوست جنوب شرقي أفغانستان، يؤكد زعيم شبكة "حقاني" التابعة لحركة "طالبان" على كلام مولانا حليمي بالقول: "زادت المقاومة قوة. فقبل سنوات لم تكن طالبان تتحرك سوى ليلاً"، ويضيف مسروراً: "ها وقد تحررت أرضنا والحمد لله، نسير في وضح النهار ونحارب في وجه الناس. نسيطر على أرضنا وقرانا فيما لا يمكن الأمريكيون الحضور سوى في الجو".

وقد تمكنت الحركة في مدة زمنية يسيرة من إعادة الأمن والاستقرار إلى معظم المناطق الخاضعة لحكومتها، وتوحيد الأراضي الأفغانية، والقضاء على الفساد الإداري والمحسوبية، ومقاومة الفساد الخلقي، وجمع الأسلحة، والقضاء على طبقة أثرياء الحرب، والأهم من ذلك إنشاء المحاكم وإيجاد نظام إداري في الولايات.

فتش عن الجهاد:

في مدة زمنية وجيزة نسبياً حققت قوات طالبان مكاسب عسكرية سريعة على الأرض، بل واستطاعت بإمكانياتها القليلة أن تهزم القيادات العسكرية ذات الخبرة الواسعة بفنون القتال أثناء الحرب الأفغانية السوفيتية، والسبب في ذلك يرجع إلى قوة الدافع الديني المحرك لهؤلاء الطلاب والذين أفتى لهم علماؤهم بأن ما يقومون به هو جهاد في سبيل الله، وبسبب التعاطف الشعبي الذي لاقوه رغبة في التخلص من الاضطرابات الأمنية وحالة الفوضى التي كانت تعيشها أفغانستان.

الغريب أنه ليس لحركة طالبان مثل باقي التنظيمات التى تكتظ بها الساحة الأفغانية لائحة داخلية تنظم شؤونها، ولا يوجد لديها نظام للعضوية ومع ذلك فهي حركة متماسكة من الداخل، ويرجع ذلك إلى الخلفية الفكرية الموحدة لعناصرها إذ إن معظمهم تخرج في مدارس دينية واحدة، كما أنهم - وهذا هو الأهم - مخلصون لفكرتهم ومقتنعون بها ويعتبرون العمل من أجلها جهادا في سبيل الله.

ويتمتع أمير الحركة بنوع من السيطرة الروحية على الأفراد الذين يعتبرون مخالفته معصية شرعية، وكان لعدم وجود شخصيات محورية ذات نفوذ قوي في الحركة أثر في استقرارها الداخلي، وتظهر براعة الحركة في القيام بعقوبات فورية للمخالفين وتغيير مستمر في المناصب حتى لا تتشكل جيوب داخلية أو مراكز قوى، كما أنهم ولأسباب أمنية لا يقبلون أفراد الأحزاب الأفغانية الأخرى وبالأخص في المناصب الكبيرة ومراكز اتخاذ القرار.

وترفض طالبان استيراد ما أنتجه الغرب من نظم دستورية وقانونية وسياسية، نظير ذلك أنها رفضت استعمال لفظ الديمقراطية لأن الديمقراطية بالمعنى الغربي تمنح حق التشريع للشعب وليس لله وهذا ينافي تعاليم الإسلام، ولا ترى الحركة أهمية لوضع دستور أو لائحة لتنظيم شؤون الدولة وترى أن القرآن والسنة هما دستور الدولة الوحيدين.

وتعتبر الحركة منصب "أمير المؤمنين" في قمة الهرم الوظيفي في الدولة، وهو بمثابة الخليفة ينتخبه أهل الحل والعقد، ولا توجد مدة محددة لتولى منصب أمير المؤمنين، ويتم عزله فقط في حالة العجز أو الموت أو إذا أتي ما يخالف الدين.

كما تؤمن الحركة بمبدأ الشورى وتطبقه في الإطار المُعلم فقط وليس الملزم، وتهتم الحركة اهتماما كبيرا بالمظهر الإسلامي كما تتصوره، فتأمر الرجال بإطلاق اللحى ولبس العمامة وتمنع إطالة الشعر، كما أنها تحرص على تطهير البلاد من المحرمات التى نهى عنها الإسلام مثل الموسيقى والغناء والصور، ونظرا للوضع الأمني الغير مستقر تمنع الحركة عمل المرأة خارج بيتها بغير ضرورة وتضع نظام مساعدات بسيط يرعى المسنين والأرامل والأسر الفقيرة، ويشرف على تنفيذ ذلك هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

    وللحيلولة دون سقوط أفغانستان في دوامة الدم التي اندلعت عقب انسحاب السوفيت لا تسمح الحركة بتشكيل أحزاب سياسية تقوم على أسس عرقية وقبلية ولغوية، ولا تقبل الأحزاب التى كانت موجودة بالفعل، ويقول زعيم الحركة في ذلك إنه رفضها لأنها "نوع من العصبيات الجاهلية الأمر الذي تسبب في مشاكل وعداء وفرقة بين الناس".

من حث أمريكا على ضرب طالبان:

بثت إذاعة البي. بي. سي البريطانية تقريراً حول التعاون الإيراني مع الولايات المتحدة وبريطانيا في إسقاط حكومة طالبان أفغانستان، وأكد التقرير على عدم مصداقية الخطاب السياسي للثورة الإيرانية، ومع أن معلومات التقرير ليست جديدة - باستثناء بعض التفاصيل- إلا أنه يتزامن مع التحركات الإيرانية الأخيرة فيما يعرف بـ"دوار اللؤلؤة" والماسة بسيادة البحرين والتي أجهضتها قوات درع الجزيرة، ويفرض التقرير على الخليجيين إعادة النظر في مفهوم الاعتماد على الغرب في ردع خطط التهديد والهيمنة الإيرانية.

وقد أشار التقرير إلى اجتماعات جرت في أوروبا بين إيرانيين وأمريكيين مهدت لتعاون ميداني مهم لعملية الغزو الغربي لأفغانستان عام 2001، وأن مسئولا إيرانيا "ضرب على طاولة الاجتماع بقوة" خلال أحد الاجتماعات لحث الأمريكيين على التعاون معهم لإسقاط طالبان، وأن هذا المسئول قدم خريطة عليها قائمة من مواقع طالبان التي يجب أن يركز عليها الأمريكيون كأهداف للقصف، وقال مسئول أمريكي حضر هذا الاجتماع "حملنا معنا الخريطة إلى مركز القيادة واعتمدنا بالفعل هذه الخطة"..!!

ولم يكن التحريض ضد دولة طالبان السنية المسالمة المرة الأولي التي تظهر فيها طائفية وعدوانية طهران، فقد فعلت إيران الثورة ما هو أشد تناقضاً مع مبادئها المعلنة مما سبق ذكره إذ عقدت عام 1984 صفقة لشراء أسلحة من إسرائيل بثلاثمائة مليون دولار دفعة واحدة، والنظام الإيراني يبقى نظاما برجماتيا يسعى لمصالحه الخاصة ولو كلفه ذلك تدمير دول قائمة بالفعل، وهو ما يفسر تصريحات المسئولين الإيرانيين الاستفزازية حتى صاروا يطعنون بسيادة دولة لازالت عضوا في مجلس التعاون الخليجي.

الغرب يخسر وروسيا تقلق:

دفعت أخبار انتصارات طالبان وتقهقر حلف الناتو في أفغانستان إلى تأكيد وكالة الأنباء الروسية "ايتار تاس" على احتمالية خسارة الغرب للرهان في أفغانستان، فقد ذكرت الوكالة ما نصه "إنَّ على روسيا أن تأخذ في الحسبان احتمال خروج منظمة حلف شمال الأطلسي من أفغانستان، مما سيؤدي الى انفجار الاوضاع وبالتالي الاطاحة بالحكومة الافغانية الحالية وعودة طالبان التي ازدادت في الآونة الاخيرة عدداً وعتاداً".

وفي خطوة غير مسبوقة وبعد ممانعة شديدة من الكرملين، وافق الروس على فتح المجال الجوي الروسي لتحليق الطائرات الامريكية المحملة بالإمدادات العسكرية لقواتها في أفغانستان، كما لم تفرض موسكو أية رسوم مادية تذكر مقابل هذا العبور، ما وفر على البنتاغون على حد قول بعض المحللين الغربيين حوالي 133 مليون دولار سنويا.

والسبب وراء هذه الخطوة هو ما جاء في تحذير "روجوزين" للغرب في بيان لوكالة "ايتار تاس" قائلا: "لن ترسل روسيا جندياً واحداً إلى أفغانستان، وإن لم يستطع حلف شمال الاطلسي الاستمرار في المواجهة واضطر إلى الفرار من أفغانستان، فسنواجه نحن مع الدول المجاورة تطورات كارثية وذلك بوجود طالبان وغيرهم من المتطرفين الاسلاميين، الذين سيرون في فرار حلف شمال الاطلسي نصراً ودافعاً قوياً لهم للمضي قدماً في الانتشار في كل الاتجاهات، بما في ذلك في الشمال حتى بلدان آسيا الوسطى والغرب في اتجاه القوقاز".

من هنا رأت روسيا ضرورة وجود مشاورات مباشرة مع واشنطن والغرب حول كيفية هزيمة طالبان، دعم ذلك الاتجاه أمرين أولهما أن قوات الاحتلال الأمريكية وقوات حلف الشمال الأطلسي غير قادرتين لوحدهما التصدي لحركة طالبان وأن أوضاعهما هناك تزداد سوءاً بازدياد قتلاهما، الأمر الثاني: أن روسيا بجيشها العرمرم لن تستطيع وحدها التغلب على حركة طالبان، ولديها مخاوف من هزيمة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في أفغانستان، لأن هذه الهزيمة من شأنها زعزعة الاستقرار في وسط آسيا، وتصدير طالبان والقاعدة المقاتلين لدعم انتفاضة الجمهوريات الإسلامية التي تعتبرها موسكو الفناء الخلفي لروسيا.

وفي حال خروج قوات حلف الناتو والولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان دون أن يحققا أهدافهما المتمثلة بهزيمة طالبان فإن روسيا لن تستطيع إلحاق الهزيمة بطالبان ولن تستطيع تحقيق الاستقرار في أفغانستان، فروسيا لا تملك المال ولا المعدات العسكرية الحديثة، ناهيك عن الذكريات المؤلمة لكثير من الروس في حملتهم العسكرية على أفغانستان في عام 1980 والتي راح جراء حماقتها ما لا يقل عن 15000 جندي سوفييتي.

والمفارقة أن الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تدعم المجاهدين في حربهم ضد السوفييت هي الآن في نفس المأزق الذي كان به الروس في أفغانستان، فما كافحت أمريكا من أجل تحقيقه، عليها اليوم أن تكافح من أجل تدميره..!!

إن تبعات انتصار طالبان ستكون مرعبة لروسيا، فالمعارك التي يخوضها الكرملين ضد الانفصالين الشيشان ستبدو وكأنها نزهة بالمقارنة مع حركة طالبان، وهو ما جعل ديمتري روجوزين يحذر بالحرف: "إن معنى استسلام وخروج حلف شمال الأطلسي من أفغانستان أن المنطقة ينتظرها كارثة حقيقة"، إن مثل هذه التصريحات تعتبر دليلاً دامغاً على ضعف الروس واهتزازهم وعدم ثقتهم بأنفسهم كقوة عظمى أمام طالبان.

نهاية النفق:

وفيما يبدو أن الولايات المتحدة وصلت إلى نهاية النفق بعد إخفاق المهمة التي حشدت من أجلها عددها وعتادها، وتؤكد ذلك التقارير التي يتم تسريبها عمداً والتي يظهر فيها الضعف والإرهاق العسكري الأمريكي أمام صمود وعناد طالبان في أفغانستان، ولأجل ذلك تلح واشنطن عبر وسطاء قبليين وباكستانيين على زعماء طالبان حضور مباحثات سلام تحفظ ماء وجهها، فيما يعد أوضح مؤشر على السعي الأمريكي لوضع نهاية لخسائر دامية استنزفت الخزينة وتخطت تسعة أعوام عجاف، وأسفرت عن خسارة الكثير من الأرواح في الجنود والأموال دون تحقيق نجاح ميداني على الأرض، وفقا لتصريحات مسئولين في الناتو والإدارة الأمريكية.

وعلى رغم نفي طالبان المتكرر حضور مثل هذه المباحثات المزعومة، إلا أن واشنطن تصر على أنها شملت أعضاء بارزين من الحركة، فيما يشدد المسئولون الأمريكيون على أنها لا تتعدى كونها محادثات أولية، فضلا عن أنهم متشككون فى مدى جدية استجابة طالبان لشروط الانسحاب الأمريكي، ومتخوفون من ضعف حكومة الرئيس الأفغاني، حامد قرضاي.

وبما ان الكرة الآن في مربع حركة طالبان فقد كذبت الحركة في أكثر من مناسبة الأنباء التي تروج لها واشنطن من إجراء مفاوضات مع كوادر في الحركة، وشددت على أن فكرة المباحثات غير قائمة إلا بعد انسحاب قوات الاحتلال الأجنبية من البلاد.

ومع ذلك، كشفت تعليقات مسئولي الإدارة الأمريكية في واشنطن ومسئولي حلف الناتو في بروكسل، أن الولايات المتحدة تعمل جاهدة، بصورة أوسع من تلك التي كشفها المسئولون مسبقا، على تشجيع التوصل مع قادة الحركة إلى اتفاق سلام يضمن انسحاب أمريكي "مُشرف" وآمن من أفغانستان، مما يعكس تنامى شعور الإدارة الأمريكية بالتشاؤم حيال تحقيق المزيد من قوات الاحتلال الأمريكية لمكاسب حاسمة ضد حركة طالبان.

                                                                                                                                                                                                  موقع قاوم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق